من الذي أودع كل هذا الحزن في جيوب الليل؟ هل كان عابرًا غريبًا أم وجهًا مألوفًا يتسلل بمهارة في اللحظات الأخيرة من اليوم؟ ربما تلك الليالي الهادئة التي تخفي في ظلامها أصداء الأوقات التي عشناها بفرح ومتاع، لتظهر كما الغريب المنتظر خلف الستار. 

في حين أن الليل يلامس قلبي برفق، يبقى الثقل يرسخ في الصدر كأن كل تنهيدة عجزت عن الإفصاح، مختبئة بين طيات الظل الكامن على نافذتي. 

لم يكن ما يجري بيني وبين الليل مجرد حوار صامت فحسب، بل كان انعكاسًا لأعماق مجهولة داخل النفس. هذه الأوقات تعيدني إلى تأملاتي وتساؤلاتي حول ماهية الصمت وكيف أن الليل يستطيع امتصاص ما نكتمه. 

عند كل محاولة لأفهم هذا الحزن المتسلل، أجد أن كل تفصيل صغير يقودني إلى ذكريات مختلطة، كأنني أدفن الكلمات في صدري ليُزهر حديث داخلي جديد يأخذني بعيدًا. تتفكك اللحظات وتتحول إلى نافذة على عالم من الحنين والسكون، لترسم في خاطري صورة لرحلة غير مكتملة. 

وبينما أعود لأبتكر طرقًا أعيد بها تلك اللحظات المفقودة، أدرك أنني في الحقيقة لم أكن أسير وحدي، بل كان الحنين يمضي معي يداً بيد. 

كل ذلك يجعلني أتساءل: أين تكمن البداية وأين النهاية في هذا الطريق الشجي؟ ربما كان عليّ ألا أتوقف أبدًا، حتى وإن لم أجد نهاية واضحة في الأفق.


من بين ظلمات الليل، تلتحف القصص المشحونة بالحزن والتفكير في الماضي، حيث تتحول لحظات السكون إلى مرآة تعكس خفايا القلب وأحاسيسه المستترة. في خضم تلك اللحظات، يبدو كل شيء ممزوجًا بحكايات لم تُحكَ وأسرار لم تُبح. فتحت سطوع النهار، تتشوش الرؤية بفعل زحمة التفاصيل والتوفيق بين هراء القيل والقال ونفاق الحوارات السطحية. يحمل الليل بين جيوبه كل ما عجزنا عن البوح به خلال النهار، ليصبح سكينًا يطعن صمت القلب بأوجاع قديمة. وعلى الرغم من ذلك، تظل هدية الموت أو الراحة الأبدية هي الأمل الوحيد الذي يعزي النفس من عبء الأعباء المتراكم في قلوبنا، خصوصًا عندما يشعر الإنسان باقتراب نهاية أيامه. في تلك اللحظات، يبدو الخيال وكأنه استخفاف بتجارب الحياة، ويجعل التفكير في الماضي والآتي عبثيًا. يظل الصوت الداخلي للمواجهة مع الذات حاضرًا، يحدثنا عن خلود الروح والنشور الجديد، ولكن مهما علا صوته، تبقى رغبتي في الهرب من ضجيج الدنيا إلى هدوء الليل العاصم للأثقال والمتاعب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عقل ناطق بقلم الباحث و المفكر فادي سيدو