يَا خَوَاجَة، رُبَّمَا تَخَيَّلْتَ أَنَّنَا قَدْ نَجْهَلُ الكَثِيرَ، لَكِنَّنَا عَالِمُونَ بِالعِلْمِ اللَّدُنِيِّ الذي لا يَصِلُ إلَيهِ كُلُّ شَخصٍ. نَحْنُ، لَا نَدْخُلُ في مَذَاهِبِ غَيْرِنَا، بَل نَكُونُ خُلَفَاءَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيل، نَدْرِك أسرَارَ الحَقَائِقِ. عَلَيْكَ أن تَعِي أن الكَلَامَ لَيْسَ دَائِمًا مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ، بَل قَد يَحْمِلُ كَنُوزَ الحِكْمَةِ. لَا تَخْتَرِقُ السِّتَارَ الحَاجِبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ العَالَمِ المَخْفِيِّ، دَع الحِكْمَةَ تَهْدِأُ في قَلْبِكَ، لَا تُغَتَّرْ بِالظَّاهِرِ وَلَا تَظُنُّ أَنَّنا البَعيدُونَ، بَل نَحْنُ الأقرَبُ إِلَى القُرْبِ الدَّائِمِ مع الخَالِقِ.


الْحِصَانُ الرَّمَادِي ذُو السَّوْطِ الْأَخْضَرِ يُثِيرُ التَّسَاؤُلَ: مَنْ هُوَ الرَّاكِبُ؟ الرُّكُوبُ عَلَيْهِ يُشِيرُ إِلَى قُوَّةٍ وَسُرْعَةٍ لا تُضَاهَى، وَالسُّؤَالُ يَبْقَى بِلَا إِجَابَةٍ صَرِيحَة إِلَّا عِنْدَ الاقْتِرَابِ. أَمَّا الْكُتُبُ الْأَرْبَعَةُ، فَتَحْمِلُ بَيْنَ طَيَّاتِهَا أَسْرَارًا لا يُتَوَقَّعُهَا أَحَدٌ، وَتَسْكُنُهَا السُّطُورُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي تَرْكِي دَوْمًا عَلَى ذِهْنِ الْقَارِئِ. النَّبِيُّونَ فِي مَقَامَاتِهِمْ يَشْهَدُونَ حَرَارَةَ الْعَاطِفَةِ تَغِلِي كَالْمِرْجَلِ، مُحَرِّكَةَ أَعْدَادَ الٌّمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَمَعَ ذَٰلِكَ، تَظْهَرُ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي لا تَعْرِفُ إِثْمًا قَدِ اسْتَوْقَفَتْهُم. قِصَّةُ الذَّبِيحَةِ الْكَبْشِ لِأَجْلِ إِسْمَاعِيل تُشْرَعُ فَصُولُهَا كُلَّ عَامٍ، بَاقِيَة لِلأَبَدِ بَلَوْنِ الْقَصْدِ وَمَفْهُومِ الْفِدَاء. الجَمَلُ الْأَبْيَضُ الَّذِي يَنْهِضُ بِقِيَادَةِ الْقَوَافِلِ يَتَرَتَّبُ بِإِتْقَانٍ، مَا يَدْعُونَا للْمُشَاهَدَةِ وَالتَّأَمُّلِ فِي دَوْرِ التَّنْظِيمِ الَّذِي يُبَرِزُهُ. وَفِي جَنَّةٍ وَاسِطَةِ الْمَرَاكِبِ، يُفَاجَأُ الْمُؤْمِنُ بِذِكْرَاهَا، مُتَزَاحُمَةً بَيْنَ سَيْفِ ذُو الْفَقَارِ وَالتَّنْظِيمِ الَّذِي غَالِبًا مَا يُسَعِدُ.


الْحَيَاةُ مِلْيئَةٌ بِالأَحْدَاثِ وَالتَّجَارِبِ الَّتِي تُقِرُّ أَنَّ الضَّحِكَ وَالْبُكَاءَ هُمَا جَانِبَانِ مِنْ عُمْرٍ وَاحِدٍ، كَأَنَّهُمَا أَخَوَانِ تَوْأَمَانِ يُعَبِّرَانِ عَنْ مَرَاحِلِ الْإِنسَانِ الْمُتَعَدِّدَةِ. الدُّنْيَا غَالِباً مَا تُشَبَّهُ بِفُنْدُقٍ لِلْمُسَافِرِينَ، نَقْطَةُ انْطِلَاقٍ وَوَقْتُ اسْتِرَاحَةٍ قَبْلَ الْمَضِيِّ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْمَجْهُولِ. وَفِي سَيْرَنَا، نُدْرِكُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ مَنُوطٌ بِالْمَوْتِ، فَهِيَ سُنَّةُ الْحَيَاةِ وَقَدَرُهَا الَّذِي لَا مَفَرَّ مِنْهُ. نَمْضِي فِي تَفَكُّرٍ وَتَدَبُّرٍ، وَنُحَاوِلُ فَهْمَ حِكْمَةِ الأَقْوَالِ الَّتِي تَرَكَهَا أَجْدَادُنَا كَمَنْصُور الحَلَّاج وَغَيْرِهِم. حِينَمَا نَجُوبُ الأَرْضَ، نَشْهَدُ زُهُوراً تُزْهِرُ بِأَلْوَانٍ مُتَنَوِّعَةٍ فِي كُلِّ زَاوية، تُذَكِّرُنَا بِأَزْمِنَةٍ مَضَتْ وَرِجَالٍ خَلَّدُوا أَسْمَاءَهُم فِي التَّارِيخ. سَوَاءٌ أَرَدتَ أَنْ تَكُونَ كَـمُوسَى عَلَى الطُّورِ أَو عِيسَى فِي السَّمَاء، فَإِنَّ مَحَبَّةَ النَّاسِ جَمِيعاً وَإِكْرامَهُم يُضِيفُ إِلَى عُمْرِكَ خَيْرًا كَثِيرًا. وَمَعَ ذَلِكَ، نَشْعُرُ أَنَّ نُفُوسَنَا تَسْعَى دَائِمَاً لِلرّوِيِّ مِنْ أَشِعَةِ المحَبَّةِ الَّتِي مَا زَالَتْ تُشِعُّ بِهَا الشَّمْسُ فِي أَرْوَاحِنَا، مُمْتَلِئَةً بِالْجَمَالِ وَالإشْرَاقِ.


في خضم هذه الحياة المتغيرة، تبقى الأحاسيس والمشاعر هي الجزء الأكثر ثباتاً وتجلياً لدى البشر. البكاء والضحك كليهما أخوان توأمان، يعبران عن ثنائية الوجود الإنساني في هذا الكون. بينما تعكس الدنيا للحياة دور النُّزُل للمسافرين، حيث أننا جميعاً نسير في رحلة مؤقتة في هذه الحياة، وولادتنا ما هي إلا مقدمة لنهاية حتمية وهي الموت. حضور الأجل وانقضاء العمر يعدّان أمرين طبيعيين يسببان الإحساس بالنهاية، لكنهما أيضاً يدفعاننا للبحث عن معنى أكبر للحياة. في مسيرتنا، نتبع خطى الأجداد والأنبياء، سواء كنا نرنو لأن نكون مثل موسى الذي وقف على الطور أو مثل عيسى الذي صعد إلى السماء. هذه الرموز تحمل معها الدروس والعبر. وفي رحلتنا الفكرية، تعلمنا من كلمات بغداش ولي وأدركنا معنى ما قيل عن سيد نسيمي. حينما نحب جميع الناس من أعماق قلوبنا، نحصّل الخير الوافر. فالقيم الأسمى كالمحبة والصدق تفتح الأبواب أمام تجارب غنية بالخير والجمال. لقد تأملت في مقولات إيمكجي وأقرت بإمامة مولاهم ذي الوجه كالوردة، ومع اكتسابنا المعارف والعلوم، نفتح بأنفسنا أبواب الأمل والنور، مستلهمين من الشمس التي تملأ أرواحنا بكل ما هو رائع وفاخر. هذه التأملات تجعلنا نسعى لتحقيق الكمال في علاقاتنا الإنسانية ومنظورنا للحياة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عقل ناطق بقلم الباحث و المفكر فادي سيدو