عنوان القصة: قهوة في معبد الشوق
في مقهى صغير في زاوية منسية من المدينة، كانت الأصوات تتلاشى وتصبح مجرد همسات مملة. تلك الزاوية كانت ترتب نفسها في محراب الكلام، حيث الشوق قديس يتسلل في الهمس والفرار من اللهفة كحتمية الموت، فاجعة مرتقبة بموعد لا نعرفه، توقيته في ساعة حائط معطلة لا تقيس إلا الفراغ.
كان يجلس أمام طاولته المعتادة، يحتسي قهوته، التي بدورها كانت غيورة جداً، إذ شعرت أن صاحبها أدار ظهره لفارغةٍ في الهواء، فتشتعل روائح الغياب، يهز معها إبهامه المرتعش وسبابته المتلعثمة، وتندلع في ذهنه أشياء تختلس من الوقت حكايا بعيدة، أبعد من مصطلح بعد وأطول من فكرة مسافة وأعمق من بحر الغياب.
كان يسمعها، تلك الموسيقى الساكنة التي تعزف بهدوء، بملامح شاردة. بركان من الشغف كان يغلي في وجدانه، لم يجد السبيل ليبوح، ولم يكن أحمقاً لينفجر. كان مثل بعض البشر، عاشق للإنسانية، يكتب في قلبه رسائل لم يُسمح لها أن ترى النور.
"نحن وما مضى من يعقوب ويوسفه، ننتظر ما ليس بآتٍ.. فأين القميص الذي يزيح المتاهةَ؟"
عبارة تتردد في ذهنه كصدى في الكهوف. نبوءة الانتظار أكذوبة على مذبح الصمت، والأماكن أضحت قرباناً للغبار. ما الفائدة من إغلاق ستائر النوافذ إذا كانت المشاهد ما تزال تدور في الأذهان؟
في يوم التقاء العيون، بين جدران تلك الزاوية المعنوية. لحظة حملت في طياتها كل معاني الشوق واللهفة. عيناها كانتا تتحدثان لغة لم تكن الكلمات قادرة على ترجمتها. جلسا بصمت، كأنهما في مهب ريح القدر.
كانت القهوة تتنهد بإشباع، فهمست له أخيراً: "الوقت يحمل معه أشياء ليست فقط بـ بعيدة، بل قد تكون أقرب مما نظن."
وهكذا، استمروا في احتساء الشوق، في انتظار قميص يُزيح الغموض. لأن الحب، كالوقت، يحمل في جعبته ما هو أبعد من مصطلح بُعد وأطول من فكرة مسافة وأعمق من بحر الغياب.
تعليقات
إرسال تعليق